الأحد، 19 أبريل 2015

حكم محكمة جنايات الجيزة في قضية حريق قطار الصعيد

الدكتور رئيس اللجنة والدكتور أبو عرب وباقي الأعضاء قرروا أنه لا يمكن أن يصلوا إلى نتيجة قاطعة بشأن سبب الحادث أو مصدر النيران - بدايتها - إلا إذا كان هناك شاهد على ذلك ويرى ما حدث وهو ما لم يتوافر فى الأوراق.
5- تقرير اللجنة بصفة عامة جاء مرسلا لم يدعم بأدلة قاطعة تحمل المحكمة على الاقتناع به فعلى سبيل المثال اللجنة وبعض أعضاءها قالوا بأنهم اشتموا رائحة كيروسين أو غاز فى بقايا أمتعة الركاب فى حين أن نائب كبير الأطباء الشرعيين الذى سألته المحكمة نفى أن يكون قد اشتم شيئا من هذا – وقرر أن حجم الحريق والتفحم لا يسمح ببقاء أى روائح من هذا الفعل. فى الوقت الذى تقول اللجنة أن أرضية العربات كانت مغسولة بالكيروسين وهناك بقايا مازوت ألا يحتمل أن تكون رائحة الكيروسين أو الغاز مصدرها المادة التى كانت تستخدم فى غسيل العربات وليس المادة التى كانت مصدراً للهب ونفى الطبيب الشرعى ذلك بقوة باعتبار أن التفحم كان شديداً ولا يبقى على أية رائحة على الرغم من أن الطبيب الشرعى انتقل قبل اللجنة.
6- اللجنة لم تشفع التقرير بأدلة معملية تقطع بأن النيران كان مصدرها هذه المواقد الصغيرة التى وجدت بقاياها محترقة فى العربات بعد أن أخمد الحريق واستخدمت المياه ومدافع المياه فى إطفاءها كما ذكر ذلك اللواء حسن حسين مدير الدفاع المدنى بالجيزة إذ كان يتعين إرسال البقايا من ملابس الركاب أو أمتعتهم إلى المختبرات العلمية للحصول على نتيجة محققة بشأن وجود هذه الآثار من عدمه بدلا من أن تعتمد لجنة من أكبر التخصصات على حاسة الشم أو النظر كشأن الأفراد العاديين.
7- اللجنة عندما تعرضت إلى نفى الاحتمالات الأخرى كالماس الكهربائي أو المتفجرات لم تدلل على نفى هذه الاحتمالات على أسانيد علمية أو نتائج مختبرات معملية بل قررت أيضا بأن هذا مرده الخبرة والنظر المجرد - مع احترامنا للخبرة وقيمتها إلا أنه قد يكون للعلم كلمة أخرى.
8- اللجنة انتقلت إلى مكان الحادث بعد وقوعه بحوالي 36 ساعة فى الساعة 1.30 ظهر يوم 21/2/2002 ليكون مسرح الحادث فيه من المتغيرات الآتية: العربات السبعة المحترقة ثم فصلها وابعدت عن المكان الذى احترقت فيه بالكامل بحوالى خمسة كيلو مترات حسبما هو ثابت فى التحقيقات وكان القطار قد بدأ فيه الحريق بعد محطة كفر عمار واستمر فى سيره قرابة 12/15 دقيقة والنار مشتعلة فيه - المتغير الثاني الذى كان قد طرأ على مسرح الحادث عند وصول اللجنة هو أن المياه كانت قد غطت العربات وتم نقل الجثث والأشلاء ولم يبقى فى العربات إلا رائحة الموت والروائح الكريهة المتخلفة عن احتراق الضحايا واختلطت أمتعة الركاب وقد يكون بعض بقايا الجثث بالمياه التى ضختها أجهزة الإطفاء ومدافع المياه والتى اختلطت ببقايا الركاب وأمتعتهم ومن ثم لابد أن تتولد رائحة الموت والعفن وكثيرا من الروائح الكريهة فكيف استطاعت اللجنة أن تشتم رائحة الكيروسين أو الغاز لاشك أن اللجنة لو لجأت إلى التحاليل والمختبرات العملية لكانت قد فضت هذا الاشتباك وحسمت الأمر إلى حد كبير ولكنها لم تفعل واكتفت وأعضاءها بالنظر والشم والخبرة التى لا تنكرها المحكمة عليهم ولكن مرة أخرى قد يكون للعلم رأى أخر.
9- تردد على لسان بعض مما سئلوا فى التحقيقات من المصابين انهم سمعوا أصوات انفجار واحدهم قال بمشاهدته لشرارة تخرج من بين العجلات واحتكاكها بالقضبان أمسكت بحقائب كان يحملها أحد الركاب وأخر يدعى معوض أحمد إسماعيل قرر بأنه سمع صوت انفجار ثم انطفأت الأنوار وبعدها شاهد النيران ولم يتسنى العثور عليه رغم طلب النيابة العامة للشرطة باستدعائه اكثر من مرة - هذه الأقوال حتى ولو كانت غير صحيحة فى تقدير اللجنة وأعضاءها كان يتعين أن تقف عندها وتشفعها بأدلة علمية قاطعة لتفسيرها بدلا من الاكتفاء بأن أثار الحادث وارضية العربات لا تدل على هذه الاحتمالات وذلك بالخبرة والنظر.
10- خلاصة ما سبق تبين منه أن تقرير اللجنة واقوال أعضاءها جاءت متناقضة مع أقوال الأعضاء أنفسهم فى التحقيقات وأمام المحكمة من حيث ان اعتمدوا على نظرية الاحتمالات والمشاهدة واستخدام الحواس "الشم" كما تعارض هذا التقرير مع الأدلة الأخرى التى جاءت فى الأوراق فى حديث نائب كبير الأطباء الشرعيين.
11- عن حجم الحريق فأعضاء اللجنة جميعا وكل من شهدوا فى التحقيقات قرر انه للوهلة الأولى كان الحريق غير عادى - رئيس اللجنة - بشع وغير مألوف - رئيس الهيئة - حريق هائل وضخم - اللواء قائد الدفاع المدنى بالجيزة - كل هذه الملاحظات تضفي مزيد من الشك حول سبب الحادث الذى ساقته اللجنة وحصرته فى موقد كيروسين أو غاز صغير - وجدت بقايا فى العربات المحترقة !!!
12- أعضاء اللجنة اختلفوا فى كيفية السيطرة على الحريق فالدكتور ثروت أبو عرب: أنه كان من الممكن السيطرة على مصدر اللهب إذا ما تم التدخل خلال أربع دقائق من بدايته !!! فى حين أضاف أعضاء اللجنة فى هذا التقرير من حيث إمكانية الوصول إلى مكانه وكم النيران هذا بغض النظر عن إمكانية ذلك بالنظر إلى الزحام الشديد وعدم صلاحية الطفايات المعدة لذلك سواء لعدم وجودها أصلا - وهى محل شك كبير - أو لعدم صلاحيتها لفساد المادة الموجودة بها - كما قال الدكتور ثروت مغشوشة ومجهولة المنشأ واللجنة وأعضاءها الذين يتحدثون عن إمكانية التدخل خلال أربع دقائق للسيطرة على مثل هذا الحريق تكرر المحكمة مرة أخرى إنما يسوقون حديثا مرسلا ونظريا قد يكون صحيحا من الناحية العلمية أو النظرية البحتة إلا أنه لا يتفق مع واقع الحال الذى كان عليه قطار الحادث وحجم النيران وأن كانت اللجنة بعد ذلك قد اتفقت وبالإجماع – انه بعد أن مرت هذه الدقائق أصبح التدخل مستحيلا وغير مؤثر بالمرة اللهم إلا تحديد حجم الكارثة وهو ما فعله سائق القطار ومساعده عندما علما بالحريق – بعد ربع ساعة من بدايته والقطار يسير سارعا بفصل العربات السبع المحترقة وأخذا القاطرة وباقي العربات واستكملوا رحلة القطار إلي أسوان – والمحكمة تنتهي من ذلك إلى أنها لا يمكنها أن تساير اللجنة وبعض أعضائها مفاد هذا الزعم من إمكانية التدخل خلال دقائق أربعة للسيطرة على اللهب لان المحكمة غير مقتنعة أساسا بأن مثل هذا موقد الكيروسين أو الغاز الصغير الذى وجدت بقاياه فى أنقاض الحريق يمكن أن تشعل مثل هذا الحريق الهائل فى شكله ونتائجه وكم النيران – بهذه السرعة فى أقل من 15 دقيقة حتى مع التسليم بأن القطار سار حوالى 12 دقيقة والنار مشتعلة فيه والرياح ساعدت على ذلك المحكمة لا تستطيع أن تقتنع بهذا السيناريو والذى تبنته اللجنة فى نتائجها لان كما هو ثابت بالأوراق وكما جاء على لسان كثير من الشهود الذين سئلوا فى التحقيقات حسبما ما هو ثابت فى صدر هذه الأسباب هذا الحريق بدأ كبيرا كيف ولماذا ؟‍‍‍‍‍‍‍؟ هذا ما لم تكشف عنه التحقيقات ولم تستطيع اللجنة نفيه بصورة قاطعة.
13-اللجنة على ضوء ما سلف قد أخذت بنظرية الاحتمالات واستقرت عند الاحتمال الأقرب والأيسر والذى ترجح لديها دون أن تكلف نفسها مشقة البحث العلمي الحقيقي للوصول إلى حقيقة الحادث وكيف بدأ وجاء تقريرها والحال كذلك روتينيا أشبه بالمعاينة التى ترد فى محاضر جمع الاستدلالات والتى تجريها الشرطة بسرعة فور وقوع اى حادث حريق يخطر به ثم تأتى التقارير الفنية بنتائج مختلفة عما توصلت إليه المعاينة السريعة.
14-الثابت من التحقيقات ومن شهادة اللواء محمد حسن حسين قائد الدفاع المدنى بمديرية أمن الجيزة وعضو اللجنة أنه كان هناك أنبوبة بوتاجاز منزلية 18 كيلو أو 12 كيلو فى بعض الأقوال – قرر الشاهد انه عثر عليها فور صعوده إلى العربة العاشرة بعد أن تمكن من فتح أحد أبوابها بالقوة – كان أول من صعد إليها من قوات الإطفاء حسبما ذكر وشاهد الجثث المتفحمة وعثر على اسطوانة البوتاجاز المنزلية دون منظم ومغلقة ولا يعرف أن كانت ملأنه أو فارغة – هذه الاسطوانة فقدت بعد ذلك ولم يعثر عليها فهناك قول –الشاهد - انه ضاعت فى وسط الزحام وهناك من قال أنها ألقي بها فى ترعة الإبراهيمية - على أية حال لم تناقش اللجنة أو تتعرض لماهية هذه الواقعة ومصداقيتها هل من المحتمل أن تظل هذه الاسطوانة فى ظل النيران الهائلة وغير العادية دون أن تنفجر لو كانت ملآنة وحتى لو كانت فارغة لا ينالها أي إصابة وتظل سليمة كما قال الشاهد رغم شدة النيران – هذه واقعة مادية - وقف أمامها تقرير اللجنة ولم تتعرض لها ومن ثم تقف عندها أيضا المحكمة لتسوقها ضمن ما ساقته فى أسبابها فى خصوص عدم الاطمئنان إلى تقرير اللجنة والذى جاء فى كثير من مقاطعه مرسلا غير موثق علميا كما سيلي.
وحيث انه من المقرر قانونا وقضاء أن للمحكمة الحق فى الآخذ بتقرير الخبرة أو طرحه كما أن لها الحق فى الآخذ ببعض ما جاء فيه وطرح الباقي ومن هنا تكتفي المحكمة بالقدر السالف لثقتها إلى القول بعدم اطمئنانها إلى ما جاء بالتقرير عن السبب المنشئ للحادث والمتمثل فى مصدر اللهب مباشر كوقود كيروسين أو غاز من مثل المواقد الصغيرة التى عثر على بقاياها فى العربات المحترقة وترى المحكمة أن السبب المنشئ مازال فى تقديرها – مجهولا - لم تكشف عنه التحقيقات.
وحيث انه عن تداعيات اللهب المباشر الذى قالت به اللجنة من هذا اللهب المباشر الذى خرج من موقد كيروسين أو غاز صغير صادفه أمتعة الركاب وملابسهم المصنوعة من مشتقات البترول فضلا عن سرعة الرياح وسرعة القطار – المحكمة لا تساير اللجنة فيما ذهبت إليه وذلك لما يلي:
1-الوقت كان شتاءا والبرد قارس ومن ثم بداهة تكون النوافذ والأبواب مغلقة والأجسام متلاصقة ومن ثم فلم يكن هناك مجال لكم من الهواء - الأكسوجين – الذى يزيد من كثافة النيران بهذا الحجم المهول والضخم حسب وصف أعضاء اللجنة.
2-الزحام الشديد والأجسام المتلاصقة إذ أن كل عربة سعتها حوالى 100 راكب بها قرابة الثلاثة أو الأربع أضعاف حمولتها تجعل بالكاد كل راكب يجد موضعا لقدميه – والقطار مازال فى بداية رحلته إذ لم يكن قد مضى على مغادرة محطة القاهرة إلا حوالى الساعة ومازالت الرحلة إلى أسوان طويلة قرابة الأثنى عشر ساعة – لم يكن هناك مكان أو حيز معتدل أو سعة تسمح بجلوس راكب أو أكثر لصنع شاى على هذا الموقد الصغير إذ أين وكيف يجلس هو ومن معه – ففى مثل هذه الرحلة الطويلة – يستغرق مثل هؤلاء الركاب البسطاء الفقراء وقتا فى بدايتها إلى أن يستقر بكل منهم المقام فى مكانه هو ومن معه.
3-حتى ولو افترضت المحكمة صحة ما ذهب إليه تقرير اللجنة فالمحكمة لا تستطيع ان تجاريها فى تصورها لان مثل هذا الموقد الصغير أما انه لم يكن هناك إمكان لاستخدامه أو أنه كان من السهل فى لحظات السيطرة عليه وعلى شعلته وإطفائها حتى ولو بقطعة من الملابس أو أي شئ يكون فى متناول يد من يستخدمه إلا إذا كان قد انفجر وهو مالا دليل عليه فى الأوراق أو بقايا الحادث حتى فى ظل هذا الاحتمال الذى لم يقم عليه دليل فأن كمية الكيروسين أو البوتاجاز الذى يملئه ضئيلة بحيث ايضا يمكن السيطرة عليها هذا فى تقدير المحكمة وما دامت اللجنة الفنية بخبرتها ووسائلها لجئت إلى نظرية الاحتمالات كما يقول أعضائها فأن الاحتمالات تكون كلها قائمة فى ظل الدليل الفنى غير القاطع الدلالة على ما انتهت إليه اللجنة حسبما أسلفت المحكمة فى أسبابها.
4- حديث الرياح وسرعة القطار لمده 12 دقيقة أو خمس عشر دقيقة لا يبرر أبدا حجم هذه النيران الهائلة وذلك لقصر الزمن ولمصدر اللهب البسيط الذى قالت به اللجنة إذ أن حجم هذه النيران والسرعة التى انتشرت بها لا يكون إلا حيث يكون هناك مصدرا للهب أقوى وأشد من ذلك الذى قالت به اللجنة والقول بغير ذلك ترى المحكمة أن فيه تبسيط وتجريد للوقائع لا يستقيم مع حجم الكارثة ولا يتفق مع المنطق والمجرى العادى للأمور ومن زاوية أخرى أخذا بالتفسير الأيسر والأسهل وهو ما لا تستطيع المحكمة تضمنه أسبابها وتعول عليه فى قضائها.
4-وفى هذا المقام لا تستطيع المحكمة إغفال التقرير الذى وضعته ما يسمى بمجموعة الإشراف والتخطيط S.p.g – - وهى هيئة تابعة لرئاسة الهيئة ووزارة النقل – هذا التقرير - والمرفق بالأوراق الذى تعرض لتحليل الحادث وتفاصيله وتوقيتات قيام القطار وتابع خط سيره دقيقة بدقيقة بل وثانية بثانية على ضوء ما تحت يده من مستندات هذا التقرير وضع احتمالات أربعة للحادث هى:
الإهمال – استخدام مصدر إشعال واستحالة السيطرة عليه !! - انفجار حارق داخل العربة العاشرة وهذا التقرير تلاحظ المحكمة أن النيابة العامة التفتت عنه ولم تتعرض له فى التحقيقات كما أن اللجنة لم تتعرض له فى تقريرها وربما لم يعرض عليها !!! كما أن التقرير أورد أسماء المكلفين بأعداد القطار وصيانته وليس من بينهم من المتهمين سوى المتهم الأول محمد احمد إبراهيم متولى – ملاحظ الوردية الثانية – بالغاطس ويختص بأعمال وصيانة الميكانيكا فى القطار وعرباته وبداهة لم تكن الميكانيكا والقائمين عليها سببا فى الحادث !!!.
5- التقرير واللجنة لم تولى واقعة انطفاء العربات اثناء الكارثة فلا تستطيع المحكمة ان تتبين على سبيل الجزم واليقين هل الأنوار أطفأت قبل الحادث أو بعده وهل انطفائها كان نتيجة للحريق أو سابق عليه كل ما سعت اللجنة فى تأكيده إلى أن الماس الكهربائي برئ من اشعال الحريق ودللت على ذلك بأن الكوابل اسفل العربات سليمة ومحصنة فى مواسير من الصلب والكابلين الرئيسين السالب والموجب بعيدين عن بعضهما قرابة المتر وأن اللجنة أجرت تجربة تماس فوجدت ان الشرز الناتج عن التجربة غير مؤثر وفات اللجنة أنها ذكرت فى صلب التقرير عند معاينة العربات أن أطراف الأسلاك محترقة نتيجة الحريق فقط وهذا لا يكفى لقيامه حتى انطفأت الأنوار تحديدا هل قبل حدوث الحريق أم بعده أم أثناءه وذلك لان الحريق لابد وان يكون قد استغرق بعض الوقت قبل أن يصل إلى توصيلات الكهرباء الداخلية داخل العربات، وبالنسبة لحجم الحادث والنيران فأنها بالطبع أتت على كل شئ داخل العربات ومن هنا لايمكن تحديد متى انقطع التيار الكهربائي عن العربات والمحكمة ترى انه كان لدى اللجنة من الوسائل الفنية والعلمية ولدى أعضاءها من الخبرة العلمية والمعملية القدر الكافي لإزالة هذا الغموض بدلا من الاكتفاء للمرة الثالثة بالخبرة وبالنظر المجرد للتوصيلات الكهربائية واثبات حالتها وهذا امر يسير حتى بالنسبة لغير المتخصصين واللجنة وعلماءها لها قدرها ومن هنا كانت المحكمة تنتظر منها بحثا أكثر دقة وتفصيلا فى هذه الجزئية لأنها جزئية هامة كان من الممكن ان تشير إلى سبب الحادث ومناقشة احتمالات أخري.
إلا أن البادي أن اللجنة قد سلكت الطريق الأيسر وحملت موقد الكيروسين الصغير مسئولية الحادث وهو بالضبط ما لجأ إليه كبار المسئولين فى الهيئة والحكومة عقب الحادث مباشرة بل وفى مكان الحادث عقب انتقالهم إلى مكانه إذ صرحوا بان سبب الحادث هو استخدام موقد الكيروسين أو الغاز الصغير الذى أحال القطار والمنطقة إلى جحيم وأحالها إلى طاقة من جهنم كما لو كانت اللجنة سعت إلى تقنين تصريحات كبار المسئولين والتى قالوا بها بعد ساعات من وقوعه وقبل أن تكشف أبعاده وخباياه وكفى الله المؤمنين شر القتال.
وحيث انه متى كان ما تقدم جميعه فان المحكمة تنتهى بحق إلى أن موقد الكيروسين والغاز بريئان من تهمة إشعال الحريق أو أن يكون مصدر اللهب المباشر الذى أدى إلى هذه الكارثة سيما وآن الأوراق وتحقيقات النيابة العامة وما أجرته المحكمة بنفسها طوال أكثر من خمسة وعشرين جلسة جاءت جميعها خالية مما يشير إلى ثبوت هذه الواقعة فلم تقدم الشرطة شاهدا واحدا على ذلك ‍‍‍رأى غيره وهو يأتى هذا المنكر يشعل الموقد لصنع شاى أو جوزة أو تسخين طعام كما جاء فى بداية التحقيقات أو بتصريحات كبار المسئولين ولما كان هذا القول جاء على سبيل الظن والتخمين والأحكام الجنائية تقوم على الجزم واليقين سيما فى مجال الإدانة فان المحكمة تنتهى بحق باستبعاد هذا الاحتمال كسبب للحادث وترى انه لا يعدو أن يكون احتمالا قالت به اللجنة ومن قبلها كبار المسئولين !!! قبل أن تبدأ عملها – وهناك احتمالات أخرى وردت فى الأوراق والتحقيقات على نحو ما سلف من أسباب قيلت على لسان البعض وفى تقدير مجموعة الإشراف والمراجعة s.p.g وجاء حديث اللجنة الفنية بشأن بعضها مرسلا لا تطمئن إليه المحكمة ويبقى السبب مجهولا لم تكشف عنه التحقيقات التى تمت.
الزحام: وحيث انه عن حديث الزحام الرهيب الذى كان فى العربات المحترقة إذ أن احتوائه فى الأوراق أن سعة العربة الواحدة 104 أو 108 راكب كانت تضم حقيقتها ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف هذا العدد أي من 300 إلى 400 راكب وكيف لا والهيئة أعدت هذا القطار لكي يكون نعشا للضحايا من الفقراء المعدمين وأرادت أن تجعلهم الفداء الذي تقدمه تقربا إلى الله في عيد الأضحى فتكفر بهم عن سيئاتها في حق المواطنين جميعاً – والمحكمة عندما تتناول موضوع الزحام هل يكون ذلك من قبيل نفى المسئولية عن المتهمين أو أنه حديث قانون باعتبار أن الزحام فى ظروف الحادث الماثل كان بمثابة سببا أجنبيا أو قوة قاهرة قطعت رابطة السببية بين المتهمين والنتيجة أو تتحدث عنه المحكمة باعتباره مسرحية عبثية من صنع وإخراج الهيئة لتنمية مواردها أو توفير سيولة لتوزع بالآلاف وعشرات الآلاف على كبار موظفيها وشرطة النقل والمواصلات كما جاء بالتحقيقات ؟؟ كل هذه تساؤلات تطرحها المحكمة عند حديثها في الأسباب عن موضوع الزحام ولكن – ولأنه أمر مطروح وبصورة صارخة في الأوراق لابد أن تتعرض له المحكمة على النحو التالي:
1- من الثابت من التحقيقات أن القطار وعرباته خرج من الغاطس وكان يستقله عدد 3818 راكبا بينهم 769 قطعوا تذاكر طوال رحلته حتى أسوان – لم يكن قد حصل على تذاكر من محطة مصر إلا عدد 23 راكب – ثلاثة وعشرين فى حين ركبه من الغاطس 3049 راكب هم الذين قطعت لهم تذاكر أو إيصالات الغرامة وذلك حسب البيان المقدم من الإدارة المركزية للشئون التجارية ونقل الركاب.
والمسئول عن هذه المخالفة حسبما تبين من التحقيقات الهيئة ونظامها الخاطئ بالسماح ركوب الركاب من داخل الورش بالمخالفة لقانون الهيئة نفسها والذي أصبح الركوب من الغاطس أصبح عرفا سائدا حسبما اقر به العميد طارق صديق مدير الإدارة العامة للأمن بالهيئة وهو الأمر الذي يشكل من زاوية أخرى إخلالا أمنيا وقعودا من شرطة النقل والمواصلات عن القيام بواجبها الاساسى هو حماية أرواح المواطنين من مستخدمي المرفق والتي تقاعست عن القيام بدورها الاساسى لوجود مصلحة تجمعها مع مستخدمي الهيئة وكبار مسئوليها مما جعل اقتسام حصيلة الغرامة المقررة كجزاء أو عقوبة للركوب من الغاطس وهو المستفاد من أقوال المهندس عبد القادر الرئيس السابق وكان يشغل موقعه وقت الحادث وأثناء تحقيقات النيابة العامة وهو ما ذهب إليه فى أقوالهم بألفاظ مختلفة العديد من رجال شرطة النقل والمواصلات (النقيب محمد سالم ابو عبده) والمجند كريم مكرم ذكى والعميد إبراهيم حسين فريد.
2-ليس هناك مجال بغير ذلك ومن واقع ما هو ثابت بالتحقيقات لا محل بالقول بمسئولية المتهمين من صغار موظفى الهيئة من الثالث إلى السابع – عن زيادة عدد الركاب فهذا أصبح عرفا سائدا والجميع لهم مصلحة فيه – كبار مستخدمي الهيئة – وصغار المستخدمين الذين تخصصهم الهيئة لتحصيل الغرامات من الركاب داخل الغاطس وأيضا رجال الشرطة فالجميع يعود عليه بالنفع من هذه الغرامة التى هى بطبعها فرضت كعقوبة على مخالفة قانون الهيئة وأصبحت هى السائدة بدليل حصيلة الإيراد الذى تم تحصيله فى الرحلة المشؤومة لقطار الكارثة بداهة الأمر كذلك أيضا فى جميع القطارات والرحلات.
3-وأيضا لا مجال لمحاسبة المتهمين وهم من صغار موظفي الهيئة ومستخدميها ولا مجال لمسائلتهم عن إنزال الركاب الزيادة وذلك لما لهم فى ذلك من مصلحة ولان القانون واللوائح كما استقرت الأقوال فى التحقيقات على انه لا يمكن لهم السماح بإنزال أي راكب يحمل تذكرة واعتبروا أن إيصال الغرامة بمثابة تذكرة رغم انه إيصال سداد الغرامة – العقوبة – كما أنه إذا كان شرطة النقل والمواصلات تقول ذلك أيضا على لسان كبار مسئوليها فلا غرابة أن يندرج صغار موظفى الهيئة – الكمسارية – من الثالث حتى السابع فهذا القول وهو قول أيا كان عدم سلامته من حيث القانون والمفروض إلا انه واقع مرير واليم تنطق به الأوراق وكان المدخل الحقيقي للكارثة ومن ثم فلا مجال لمسائلتهم عنه سواء من البداية من حيث ركوب المواطنين أو فى النهاية من حيث إمكانيتهم إنزالهم أو حملهم على مغادرة القطار ولعل ما قال به كبار موظفي الهيئة المهندس عيد عبد القادر والمهندس محمد عرفة واللواء رضا شحاتة وغيرهم أنهم لم يحدث طوال مدة خدمتهم في الهيئة أن انزلوا راكبا من القطار أو طلب منهم ذلك.
4-هذه الزيادة أثرت بالسلب على مجال العمل داخل الغاطس سيما للصيانة فكيف يستقيم فى المنطق القول بإمكانية إجراء صيانة للقطار وعرباته فى ظل هذه الأجسام أكثر من ثلاثة الآلاف ركبوا من الغاطس ويقينا كان هناك غيرهم ينتظرون ركوب قطارات أخرى متجهين إلى جهات أخرى بنفس الطريقة وفى نفس التوقيت فهو لم يكن مجرد زحام بل فوضى كما ذهبت النيابة العامة فى تعريفها للموقف ووصفها لحالة العمل داخل الغاطس وهو ما يقطع بقلة أعمال الصيانة فى القطارات وهذا كلام منطقي ساقه الذين سئلوا فى التحقيقات من أن الصيانة كانت على قدر الاستطاعة.
5-لا شك أن هذا الزحام كان له مردوده السلبي على حجم الكارثة من حيث عدد الضحايا والخسائر التي أصابت الهيئة فلو تصورنا أن الزيادة كانت ستكون فى حدود 50% من طاقة العربات لكان عدد الركاب في العربات السبع لن يزيد على ألف راكب بدلا من أكثر من ثلاثة آلاف وبالتالى كان هذا العدد – وان كان بالزيادة – إلا انه كان سيسمح لخدمة القطار بالتحرك داخله للوصول إلى الطفايات - الأكذوبة - أو فرامل الطوارئ لإيقاف القطار وهو أمر باتفاق أعضاء اللجنة كان سيساهم إلى حد كبير فى السيطرة على الموقف أو على الأقل كان سيسمح لفرار كثير من الضحايا من آجلهم المحتوم والذى خططت له الهيئة وأفرزته الفوضى الضاربة إطنابها فى كل مرافقها.
6-الثابت من استعراض ما سلف جميعه ان الهيئة وأدارتها بل والدولة نفسها تتعامل مع ركاب القطارات الدرجة الثالثة ليسوا باعتبارهم كذلك فحسب بل باعتبارهم ايضا مواطنين درجة ثالثة.
الطفايات: يبين من استعراض واقعات الدعوى وجميع من سئلوا فيها وكذلك تقرير اللجنة الفنية ومناقشة أعضاءها أن حديث الطفايات هو بذاته مهزلة أو أكذوبة لا وجود لها فى الواقع وأنها لا تعدو لافتات أو ماكينات هيكلية لان ما بداخلها مغشوش وما كتب عليها من الخارج مكذوب ومضلل لما يلى:
1-الثابت من التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة والمعاينتين التى أجرتهما وكذا من معاينة المحكمة ان العربات المحترقة لم تكن بها طفايات أو كان هناك طفايات وأصابها الدمار ولم تجد المحكمة أو النيابة لها من أثار سوى أماكنها فى العربات تقول كان هنا طفاية أو من المفروض ان تكون هنا طفاية.
2- ثبت من التحقيقات ان الطفايات تتميز بثلاث خصائص رئيسية:
أ‌- أما أنها مملوءة بمواد مغشوشة وكاذبة كما ذهب الشاهد الدكتور ثروت ابو عرب عضو اللجنة الفنية والأستاذ بكلية الهندسة.
ب‌- أو أن هذه الطفايات فارغة ولا تعمل نتيجة الصدأ الذى يعلوها وعدم صيانتها.
ج- أو أن هذه الطفايات موجودة فى أماكن يصعب الوصول إليها فى ساعات الخطر أو انتزاعها من مكانها يستغرق وقتا وجهدا كما انتهت المحكمة من معاينتها والنيابة أيضا إذ اثبت أن انتزاع أحدها استغرق خمس دقائق والأخرى استغرق انتزاعها سبع دقائق وتقول اللجنة الفنية فى تقريرها وعلى لسان أعضاءها كان يمكن السيطرة على الحريق خلال أربع دقائق من بدايته على فرض أن هذه الطفايات صالحة للاستعمال ومعبأة بمواد سليمة غير مغشوشة – كيف سيتحقق ذلك فى ظل الوقت الذي استغرق مجرد انتزاع الطفايات من مكانها كما ذهبت النيابة والمحكمة وكان هذا الاختبار والتوقيت فى ظل ظروف مهيأة والعربات ليس بها إلا النيابة والمحكمة فما هو الوقت والإمكانيات فى مثل ظروف القطار الكارثة والزحام الرهيب الذي كانت في كل عربة محملة بثلاثة أضعاف طاقاتها وأكثر – لا شك أن من الصعوبة بمكان إلى درجة الاستحالة ولا إلزام بمستحيل !!! وهل تقبل من النيابة العامة بعد ذلك أن تقول في أدلة ثبوتها أو فى مرافعاتها أن هذا كله لا يمنع من قيام المتهمين بواجبهم أو أنهم أهملوا في أدائه وتقدمهم للمحاكمة الجنائية لهذا الإهمال أو التقصير أين هذا الإهمال أو التقصير كما ترى المحكمة لا إلزام بمستحيل وكان أولى - ثم أولى - بالنيابة العامة أن تقدم كبار مسئولي الهيئة إلى المحاكمة الجنائية لأنهم هم الذين وضعوا المتهمين – من صغار المستخدمين –فى هذا الموقف الصعب لان واقع الحال يقول أن هؤلاء المتهمين أيضا ليسوا احسن حظا من الضحايا الذين احترقوا فى قطار الموت وألا صدق علينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلكت أمم من قبلكم لأنهم إذا سرق منهم الغنى تركوه وإذا سرق الفقير أقاموا عليه الحد" صدق رسول الله صلى الله علية وسلم.
3-الثابت من التحقيقات ومن تقرير اللجنة الفنية وأقوال أعضاءها أمام المحكمة والنيابة أن هذه الطفايات كانت عديمة الأثر والفاعلية لما بها من غش وفساد ولحجم الحريق كما ذكر الشهود انه حريق هائل وفى وصف أخر غير عادى – وفى أقوال أخريين لم يكن نتيجة موقد كيروسين صغير ذلك لان هذه الطفايات حتى في حالة سلامتها وسهولة انتزاعها وسلامة المادة الموجودة داخلها وتأثيرها في حدود متر واحد مربع !!! فأين هذا المتر من ذلك الجحيم الذي شمل عربات سبع طولها يصل إلى مئات الأمتار وفى ظل سرعة القطار وسرعة الرياح ولا يرد على ذلك بأن اللجنة الفنية وأعضاءها متصورين الحريق في بدايته لان هذا أصبح تعليل غير مقبول نظرا إلى يوم الحشر الذي كانت عليه العربات وبالتالي استحالة الوصول إلى هذه الطفايات وهى على فرض الوصول إليها لم تكن مجدية لفسادها.
4-ثم يأتى بعد ذلك الحديث عن مسئولية المتهمين عن صيانة هذه الطفايات وملأها بالمادة اللازمة وهو أيضا حديث أصبح غير ذي موضوع ولا يمكن مساءلة المتهمين جميعا عنه وذلك لما يلي:
1-الثابت من التحقيقات أن ورش الهيئة ومخازنها خالية من المادة اللازمة والفعالة لملأ الطفايات (أ، ب) ومؤكد ذلك بالعديد من المكاتبات الرسمية التى صدرت من إدارة الصيانة والتشغيل ومستخدمي هذه الإدارات إلى رئاسة الهيئة مرارا وتكرارا على طول عامين يستصرخون فيها المسئولين ضرورة تزويد الورش بالمادة اللازمة للطفايات وعدم استجابة المسئولين لهذه النداءات – المتهمين – من الثامن إلى إلحادي عشر.
2-ما ثبت من التحقيقات أن مسئول الطفايات لا يحمل إلا الشهادة الابتدائية القديمة ولا دراية له بهذا العمل - ومسئول الدفاع المدني قرر بأنه لا علاقة له بالدفاع المدني وواجباته – وعدم قيام الهيئة بما تمليه عليها لوائحها من ضرورة تدريب العاملين وإعداد الكوادر اللازمة للتعامل مع الكوارث والدفاع المدني وكما جاء بتقرير اللجنة ومذكرات النيابة العامة وعليه يكون وجود هؤلاء المتهمين أو بعضهم خاطئ ويسأل عن من وضعهم أو سكنهم فى هذه الوظائف ويجب محاسبته هو لا محاسبة المتهمين.
3-عدد الطفايات بالقطارات والعربات ظل فى الدعوى محل خلاف هل هو بواقع طفاية في كل عربتين ومن ثم يكون فى قطار الموت 8 طفايات باعتباره كان يتكون من ستة عشر عربة أم أن عدد الطفايات بالقطار 3 ثلاثة فقط أم أن المنشور الذي صدر ومرفق بالتحقيقات قصر الطفايات على أربعة فى القاطرة دون العربات أم أن هذا المنشور جعلها أربعة بخلاف ما هو مفروض فى العربات تخبط ما بعده تخبط لا يمكن معه الوصول أو الاطمئنان إلى معيار مقبول تطمئن إليه المحكمة للامساك بتلابيب المتهمين الذين هم أيضا ضحايا لهذا التخبط – واللامسئولية !!! كل هذا في ظل فرضية وجودها أصبحت مستحيلة ألا وهى صلاحية هذه الطفايات للاستخدام فإذا كان هناك باتفاق والإجماع من النيابة واللجنة الفنية والتحقيقات ومسئولي الهيئة أن هذه – الطفايات كانت فاسدة أو غير مؤثرة فلا مجال لمساءلة المتهمين فرادى ومتضامنين عن مهزلة الطفايات أو أكذوبة الطفايات.
4-ما نطقت به التحقيقات من أن حالة الزحام والفوضى فى الغاطس بل وفى نظام العمل كله فى الهيئة ما كانت لتسمح بالصيانة كما هو المفروض فى اللوائح والقوانين المنظمة للعمل فى الهيئة وهو ما انتهت إليه النيابة العامة فى مذكراتها وما قالت به اللجنة الفنية فى التحقيقات وتقريرها وتوصياتها التي تضمنها هذا التقرير اذ اقر الجميع أن هذه الصيانة كانت شكلية وغير فعالة وعلى هذا جرى العمل من قديم وهو ما اقر به من سئلوا في التحقيقات وهو أمر طبيعي ونتاج حقيقي لنظام وأسلوب العمل في الهيئة فلا المادة اللازمة لملأ الطفايات موجودة ولا إعتمادات أو موافقات لشراء لوازم الصيانة لهذه الطفايات ولا الفوضى تسمح بالصيانة فهل من ذلك يكون من المنطق والعدل أن تساير المحكمة النيابة العامة فى الإمساك بتلابيب هؤلاء المتهمين الضحايا فى نفس الوقت أو تقول النيابة انه على الرغم من ذلك كان يتعين ان يقوموا بواجبهم ولا يقصروا فيه أي واجب هذا وأي منطق يقول بهذا الالتزام المستحيل وظروف العمل والزحام تكاد تنطق بأن هناك قوة قاهرة حالت بينهم وبين القيام بأعباء وظائفهم وكبار المسئولين لا يقومون بهذا الواجب.
5-ثم تأتى المحكمة بعد ذلك لما نسب إلى المتهمين الأول والثاني من أنهما وقعا على دفتر سير القطارات أو استعداد القطار بأنه استوفى كل ما يلزم من أعمال الصيانة ووقعا على ذلك وعلى عبارة أضافها أحد عمال الورشة وهى "مما جميعه" وأن هذه العبارة تعنى كل شئ بما فى ذلك الطفايات وسلامتها وصلاحية المادة الموجودة فيها هذا القول مردود لما يلى:
أ-المتفق عليه وفقا للوائح الهيئة ونظام العمل فيها أن الصيانة تشمل ثلاثة تخصصات (الكهرباء – الميكانيكا –البواجى) وليس منها الطفايات وملأها والتحقق من سلامة محتوياتها وفعاليتها لان المهنة لها قسم خاص فى الورش وعبارة "مما جميعه" هذه عبارة ركيكة قال كاتبها انه أضافها ليحمى نفسه من إيه مسألة لان الوزير حدث أن مر على المحطة ووقع عقابا عندما وجد زجاج بعض العربات مكسورا – وهى عبارة فى ظل الظروف السابقة على مسئولية محررها لا من وقع عليها لأنه وقع على ما هو ليس ملزما به لائحيا أو قانونا فهي من قبيل الحديث المرسل الذي لا دليل عليه.
ب-ليس من اختصاص من وقعوا على هذه العبارة التحقق من سلامة الطفايات أو التأكد من سلامة محتواها.
ج-حتى على فرض مسئولية المتهمين والتزامهما بما وقعا عليه فهو التزام بمستحيل على ضوء ما سلف من ظروف الورشة وعدم وجود الإمكانيات اللازمة ولان الطفايات ليست من بين ما يجب التحقق منه قبل قيام القطار بشأن أعمال الصيانة القاصرة على الميكانيكا والكهرباء والبواجى.
د- الوصف الذي ساقته النيابة العامة لتهمة التزوير هو وصف غير صحيح قانوناً وهى أنهما جعلا واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة هذه التهمة تنهار من أساسها إذا كان ليس من اختصاص المتهمين التحقق من سلامة الطفايات وما بداخلها لان اختصاصهما ومسئوليتهما قاصرة على "أعمال الكهرباء والميكانيكا والبواجى" والطفايات وحالتها ليست من بين هذه الفروع ولكي يستقيم هذا الاتهام وما سبقه من مسئولية المتهمين عن الزحام ومسئوليتهم عن إنزال الركاب وكذا الصيانة بفروعها المختلفة فيتعين أيضا تحميلهم مسئولية عدم توفير الإمكانيات اللازمة لكل ذلك أو جعلهم جميعا رؤساء مجالس إدارة الهيئة أو الوزير المسئول عن المرفق أو إعطائهم صلاحيات هؤلاء البعيدين عن قفص الاتهام وعليه لا تكون هناك واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة - فى موقفهما أو توقيعهما – ومن ثم يمسى هذا الاتهام على غير سند من القانون أو الواقع.
تهمتي القتل والإصابة الخطأ:
ترى المحكمة أن هذا الاتهام لا يجد سنده في الأوراق من واقع أو وقانون – للأسباب الآتية:
1-المقرر قانونا انه يجب أن تكون هناك علاقة سببية مباشرة بين الخطأ والضرر وهو النتيجة المترتبة على هذا الخطأ والثابت من الأوراق أن لا مسئولية على المتهمين جميعا في الخطأ أو الأخطاء التي وقعت وأودت إلى الحادث والنتيجة:
أ-هناك شك كبير لدى المحكمة على نحو ما سلف من أسباب في سبب الحادث بعدما طرحت المحكمة الدليل الفنى المستمد من تقرير اللجنة الفنية على التفصيل السابق وأن المحكمة لم تستطيع أن تساير اللجنة الفنية فى السيناريو الذي رسمته عن الحادث وألقت فيه بالتبعية على موقد الكيروسين أو الغاز الصغير لما انتهت إليه المحكمة فى تقديرها من استحالة ذلك أو صعوبة تصور ذلك فى ظل حجم الحريق والدمار الذي لحق بالعربات والضحايا... وان هناك احتمالات أخرى للحادث لم تكشف عنها الأوراق على نحو ما أسلفنا وتقرير لجنة المراجعة s.p.g وما ساقه بعض شهود الحادث من المصابين كما جاء في أقوال محمد همام محمد الذي قال انه سمع انفجارا قبل اشتعال النيران، ومختار محمد على الذي تحدث عن مشاهدته لماس كهربائي ما بين العربتين الأخيرة وقبل الأخيرة – ثم عدل عن ذلك أن شاهد احتكاكا بين العربتين الأخيرتين وشررا يتطاير نتيجة لهذا الاحتكاك، وسعودي سيد حسن الذي قال انه سمع من الركاب أن الحادث بفعل فاعل ثم يس محمد محفوظ الذي قال انه سمع من الركاب أن هناك أنبوبة بوتاجاز انفجرت فى بوفية القطار، وأخيرا سامح مازن حسن الذي قرر انه شاهد عامل البوفيه يجرى ويصيح بأن الأنبوبة ستنفجر فى حين قرر المسئولين بالهيئة أن القطار لم يكن به عربة بوفية أصلا ومن هنا انتهت المحكمة عند تقديرها لتقرير اللجنة أنها - أي اللجنة - أخذت بأيسر الأسباب والطرق لتبرير الحادث واكتفت بالمناظرة المجردة لأثار الحادث دون أسس علمية ومعملية أو أنها كانت متأثرة إلى حد ما بما ساقه كبار المسئولين من تصريحات فى موقع الحادث من تبرير له – من أن سببه موقد كيروسين أو غاز استخدمه مواطن من الركاب أدى إلى هذه الكارثة وكما لو كانت عملت بغير قصد – على تبرير وتسويق هذا التعليل والذي لم تطمئن إليه المحكمة.
ب-هذا التصوير الذى ساقته اللجنة لا يستقيم فى غيبة دليل عليه شاهد الواقعة المدعى بها وهو ان أحد الركاب كان يستخدم هذا الموقد الضئيل في الأثر والحجم.
ج- اللجنة كما أسلفت المحكمة لجأت إلى الأخذ بنظرية الاحتمالات فى الحرائق وكما ذكر الدكتور ثروت ابو عرب أن موقد الكيروسين أو الغاز كان الاحتمال بشأنه فى حدود 75% وهذا الاحتمال وأن كان غالبا من وجهة نظر اللجنة إلا انه من ناحية أخرى يقف معه 25% لأسباب أخرى تحمل على الشك مما يحمل المحكمة على عدم الاطمئنان إليه ولما كانت الأدلة في مجال الإثبات الجنائي تقوم على الجزم واليقين لا الظن والتخمين فان الشك هنا يفسر لصالح المتهمين.
2-لا علاقة بين ما نسب إلى المتهمين من تهم الإهمال وسبب الحادث وما نسب إلى المتهمين من عدم إنزال الركاب الزيادة – مع استحالة ذلك وما بين الإهمال فى التحقق من الطفايات ومحتواها - لا علاقة بين هذه التهم وبين القتل والإصابة الخطأ - أما ما ذكرته النيابة العامة فى ملحوظاتها ومرافعتها من أن المتهمين يسألون عن الخطأ المباشر وغير المباشر فهذا ليس مجاله جرائم القتل الخطأ والإصابة الخطأ إنما قد يكون مجاله جرائم أخرى فى التزوير والإضرار بالمال العام وهذا الذى تعول عنه النيابة إنما يكون بحالة الجرائم الاحتمالية وهذا لا يكون إلا فى الجرائم العمدية ونحن هنا بصدد جريمة قتل أو إصابة خطأ يسأل فيها المتهم عن الخطأ المباشر الذي أدى وقوع الحادث والذي لولاه ما وقع.
3-من المقرر قضاءاً وقانوناً انه إذا توافرت في الحادث عوامل شاذة وغير مألوفة قطعت علاقة السببية بين سلوك المتهم والنتيجة إذ لا يكون فى وسعه أن يتوقعها ولا يكون في وسعه - من يكون أن يتوقع حصول النتيجة بالكيفية التي خرجت بها لخروجها عن دائرة تبصره - والمحكمة ترى أن المتهمين كانوا أمام حادث هائل تدخلت فيه عوامل شاذة وغير مألوفة بكل المقاييس أنتجت أثاره المروعة فى زمن قصير وتضافرت في أسباب خارجة عن الإرادة وتوقع الزحام الشديد وحريق يصعب السيطرة عليه بالوسائل العادية فضلا عن فساد الطفايات المتاحة والغير صالحة على فرض إمكانية الوصول إليها لاستخدامها والزحام الهائل هو الذي أدى أيضا إلى عدم الوصول إلى فرامل اليد كما جاء بأقوال أعضاء اللجنة الفنية وكبار المسئولين في الهيئة الذين سئلوا في التحقيقات فضلا عن احتمالات السبب الأجنبي الذي يكون قد تدخل في الحادث هو والعوامل الشاذة لاشك تقطع علاقة السببية بين المتهمين والضرر الذى حدث أيا كان - هذا مع افتراض صحة ما نسبته إليهم النيابة العامة – ولما كان ما تقدم جميعه فان المتهمين جميعا يكونوا غير مسئولين عن وقائع الوفاة والإصابة الخطأ يتعين براءتهم جميعا منها.
وحيث انه عن الدعوى المدنية التي أقامها مختار على مهدي واختصم فيها وزير النقل والمواصلات ورئيس الهيئة بصفتهما تنتهي المحكمة إلى رفضها لعدم توافر الدليل عليها ولعدم إثبات المدعى لدعواه أو إثبات خطأ المتهمين فى حقه والملايين المزعومة التي قالها لم يقدم دليلا على وجودها أصلا أو دليلا على أنها فقدت أثناء الحادث ومن تم يتعين رفض دعواه وإلزامه مصروفاتها.
تهمة إلحاق الضرر الجسيم بأموال الهيئة التي يعملون بها:
هذه التهمة التي نسبتها النيابة العامة إلى المتهمين جميعا تعدو وقد أصبحت غير ذي موضوع لذات الأسباب التي انتهت إليها المحكمة لبراءتهم من التهم السابقة وذلك أيضا لانقطاع علاقة السببية بين الخطأ والنتيجة –فإذا كانوا غير مسئولين عن الخطأ فبالضرورة لا يكونون مسئولين عن النتيجة سواء كانت هذه النتيجة مباشرة أو غير مباشرة محققة أو احتمالية لأنه فى البدء كانت الكلمة فإذا كان المتهمون لم يخطئوا أو توافرت ظروف شاذة قطعت علاقة السببية بين الخطأ والضرر فإنهم لا يكونوا مسئولين عن النتائج ومن ثم تعين القضاء ببراءتهم من هذه التهمة أيضا.
وحيث أن المحكمة على وشك الفراغ من أسباب الحكم فى هذا الحادث الكارثة تشير إلى المذكرة التي حررتها النيابة العامة ووقعت من المحامى العام لنيابات جنوب الجيزة والتي استعرضت فيها الواقعة برمتها والجهد الذي بذلته في هذا المقام وهو جهود مكثفة – وهذه المحكمة ترى لزامًا عليها أن تنوه بنتيجة هذا الجهد وقد كلف النائب العام ومعاونيه فريق من خيرة شباب مصر يحمون حماها ويرفعون راية العدل فوق هامات الجميع ترى المحكمة في انهم لم يكونوا فريقا من السادة المحققين بل كانوا كتيبة من المقاتلين الشرفاء الذين كانوا يسابقون الزمن للسيطرة على واقعات الحادث وتداعياته الكثيرة من سرعة في الانتقال إلى مكانه ومعاينة أثاره وضحاياه وما تزال حية إذ انتقلوا ولم تكن عمليات التبريد لأثار الحريق قد انتهت أو نقل الجثث من العربات تخيم عليها ظلال الحادث السوداء وتحيط بهم رائحة الموت الكئيب في وقفة العيد وأبان وفاتهم وقد أبت عليهم ضمائرهم الشريفة ألا أن يشاركوا الضحايا وأسرهم بل ومصر كلها آلامها في الحادث الجلل جزاهم الله عنده والعدالة كل خير بعد إن قدموا دعواهم إلى المحكمة عامرة بجهدهم المشكور والمأجور بأذن الله - (هذا بغض النظر عما انتهت إليه المحكمة).
1-وحيث انه في هذا المقام تشير المحكمة إلى المذكرة المذكورة والمقدمة بنتائج تحقيقات النيابة العامة في حادث قطار الصعيد وقد استعرضت النيابة العامة مع هذه المذكرة ما قامت به من جهد بعد أن تلقت إخطار الحادث فجر الأربعاء 20/2/2002 وبادرت بالانتقال إلى مكانه فور الإخطار وظلت النيابة العامة بمكان الحادث حتى تم استخراج جميع الجثث ونقلها إلى المستشفيات في الساعة 4.30 عصرا – الحادث كان حوالي الواحدة صباحا – وعقب الفراغ من ذلك تم اصطحابهم للسادة الأطباء الشرعيين لتمشيط العربات المحترقة للتحقق من عدم وجود أشلاء آدمية.
2-إجراءها المعاينات اللازمة وسؤال جميع المصابين وأمرت اللجنة الفنية وصاحبتها إلى مكان الحادث في اليوم التالي.
3-وقد استعرضت النيابة العامة ما أسفرت عنه التحقيقات على النحو الذي جرى بصدر هذه الأسباب وقرار الاتهام ولائحة شهود الإثبات واستبعدت المحكمة في تحقيقاتها الماس الكهربائي والتخريب والمتفجرات لان تكون سببا في الحادث وتبقت بالتالي وجهة نظر اللجنة الفنية والتي طرحتها المحكمة في أسبابها.
4-أهم ما جاء بمذكرة النيابة العامة أنها تعرضت وبحق إلى سلبيات الهيئة وسوء حالة المرفق وأن هذه السلبيات هي التي تصادقت الأخطاء التي استعرضتها النيابة في وقوع الحادث وأهمها:
1-عدم قيام شرطة النقل والمواصلات بواجبها المنصوص عليه في اللوائح أو على الأقل ما تفرضه عليها التزاماتها الأمنية في تأمين المواطنين حتى أنها ذهبت إلى انه كان يتعين على شرطة النقل أن تتخذ موقفا من القطار الكارثة وقد استقر على أرصفة المحطات والصورة وكم الزحام ينبئ بكارثة إذا ما شب حريق ولم تفعل شيئا.
2- مسئولية الهيئة وشرطة النقل والمواصلات عن الزحام الرهيب الذي كان عليه القطار بالسماح بالركوب من الغاطس وهو أمر مخالف للقانون ويشكل جريمة حتى أن القطار خرج من الغاطس وبه ثلاثة أضعاف السعة المقررة أكثر من ثلاثة ألاف كل هذا سعيا مع الهيئة إلى الحصول على حصتهم وحصة كبار مستخدمي الهيئة من حصيلة الغرامة بما فى ذلك من التأثير على موارد الهيئة الشرعية المفروض أن تأتى من شباك التذاكر ومن واقع الأمر والمستندات كان الراكب يكتفي بالغرامة جنيه واحد ولا يدفع ثمن التذكرة.
3- تعرضت مذكرة النيابة إلى أن الحالة فى ورش الهيئة سيئة للغاية وأن الصيانة لا تتم على الوجه الصحيح وأنها شكلية أو غير حقيقية للأسباب التي أوردتها المذكرة.
4- أشارت النيابة بحق إلى أن عوامل الأمان مفقودة تماما في القاطرات والعربات وأن الطفايات أما أنها غير موجودة كما ثبت لديها من معاينتها - النيابة - أو أنها غير صالحة لفساد محتوياتها أو موجودة في أماكن يصعب الوصول إليها أو انتزاعها من مكانها ومن ثم تكون غير مؤثرة أو لا جدوى فيها إذا ما لجأ إليها مستخدمي القطارات.
5- عدم توفير الهيئة للكوادر المناسبة في مجال الإطفاء والدفاع المدني والصيانة وعدم تدريب العمالة الموجودة رغم أن اللائحة تلزم الهيئة بذلك وعدم استعانة الهيئة بالمكاتب الاستشارية أو المتخصصة فى هذا المجال.
6- عدم وجود رابطة أو هيكل تنظيمي يربط بين إدارات الهيئة المتعددة مما يجعل العمل لا يسير على النحو المطلوب - تحقيق الصالح العام والأمان لمستخدمي المرفق.
7- عدم وجود وسائل إنذار كافية والموجود منها بدائي كما لا يوجد اتصال بين طاقم القطار - الخدمة - وقائده لإخطاره بما يطرأ من أحداث أثناء رحلة القطار.
8- إحكام غلق العربات نتيجة ما أصاب أبوابها من عوار في مقابضها ووجود حديد على النوافذ أدى إلى عدم فتح هذه الأبواب - أو استخدام النوافذ كي ينقذ الضحايا من الجحيم الذي كان يطاردهم.
9- سوء إدارة المرفق وأتباع سياسات خاطئة في التشغيل وضرورة إعادة تنظيم الهيكل الإداري للهيئة وتحديد الاختصاصات لكل فئة وإعداد لائحة جديدة للعمل.
10- أشارت النيابة العامة في مذكرتها أخيراً إلى سلوكيات المواطنين وسوء استخدام المرفق.
وحيث أن المحكمة على هدى استعراض ما ساقته النيابة العامة في تحقيقاتها ومذكراتها السالف الإشارة إليها ترى المحكمة أن ما انتهت إليه في هذه المذكرة لا يبعد كثيراً عما توصلت إليه المحكمة وقال به الخبراء الذين سئلوا فى التحقيقات عن سوء حالة المرفق وسوء حال ومستوى القائمين عليه وتوجه المحكمة بضرورة الأخذ بما جاء بمذكرة النيابة العامة وتهيب بالمسئولين آلا يمر الحادث مر الكرام حتى يأتي حادث أخر يفيق عليه في صباح يوم عيد أخر كل عام.
وحيث أن المحكمة في ظل كل ما جرى وعلى ضوء ما انتهت إليه من تحقيقاتها وأوردته في أسبابها ترى لزاماً عليها أن تقر أن العدالة وساحات القضاء كلت وملت من هذا الأسلوب الهزيل والمسرحيات الهزلية والتي يحملها المسئولين من وقت لأخر إلى ساحات العدالة لتبرير العوار الذي أصاب المجتمع ومرافقه المتصلة بالجمهور، لتبرير سلبيات الأداء وفشل القيادات التي تضعها الدولة على رأس هذه المرافق التي تخدم جمهور المواطنين وهى ملك لهم وثروة البلاد القومية - الدومين العام للدولة - آن لهذا المسلسل المهين أن ينتهي - فالواقعة الماثلة تنطق بالسلبية وعدم الاحترام لعقل الرأي العام عن أسباب الحادث وتداعياته وابسطها الإهمال والتسيب الذي استشرى في كل المرافق التي تخدم الجمهور في حين يكتفي المسئولين كبارهم وصغارهم بالتصريحات الصحفية والتليفزيونية بالصوت والصورة وإن أحداً لن يفلت من العقاب وأن الحكومة ستفعل كذا وكذا لإصلاح الخلل وستدبر مليارات الجنيهات لخدمة المواطنين والمرافق التي يستخدمها فتمخض الجبل ويلد فاراً ويجيئوا إلى ساحات العدالة بصغار صغار المسئولين والعمال ليكونوا الشماعة التي تعلق عليها السلطات صاحبة القرار في الدولة أخطائها وسلبياتها فقد ملت العدالة ودور القضاء من هذا الأسلوب يأتون بالصغار والكادحين ومن لا دراية أو قدرات لهم ليقفوا خلف القضبان سجناء الظلم والقهر والمسئول الحقيقي طليق وهو ينعم بالراتب الذي يصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا أو أكثر ويجلس على المقاعد الوثيرة في المكاتب المكيفة لا يسأله أحد ولا يعكر صفو مزاجه سلطة تحقيق أو جهاز رقابي لان هؤلاء الناس أصحاب العزة والجاه والمناصب الفخمة الثرية - هؤلاء متساندين ما أن يقع أحدهم حتى يسارع أقرانه إلى دعمه وإقالته من عثرته أو يهيئ له مكانا وموقعا آخر أكثر رفاهية وثراء - أما أمثال المتهمين من الفقراء المطحونين فتدور عليهم الدوائر ويصيروا كبش فداء لهذه الفئات الطاغية والذين سيعلمون بإذن الله - "أى منقلب يتقلبون".
إن مصر أغلى من كل هؤلاء جميعاً والعدالة التي ترتفع هاماتها فوق الجميع - والمحكمة فى هذا المجال تهيب بقيادات الدولة الرشيدة التي أنجبتها مصر وندين لها جميعا بالولاء تهيب المحكمة بهذه القيادات النقية الطاهرة وعلى رأسها القيادة السياسية وهى قادرة على ذلك بإذن الله على وضع الأمور في نصابها وتصحيح المسار لاختيار الأصلح لهذه المواقع سيما المتصلة بجمهور المواطنين فيضاف إلى الشفافية والطهارة الكفاءة والقدرة على إدارة الأزمات ومواجهة المشاكل لا مخالفة القانون ولأن إلزام المواطنين بدفع غرامات تذهب إلى جيوب هؤلاء الكبار ومن ساندهم بحجة كاذبة وهى تنمية موارد الهيئة وهى في الحقيقة تنمية مواردهم هم وزيادة مخصصاتهم وسياراتهم الفارهة إذ حسب المواطن الفقير البسيط قهراً ومعاناة ولا يبقى إلا أن تسوقه هذه القيادات الفاشلة واللوائح والنظم المتخلفة إلى أن يلقى مصيره حرقا فلكل فى هذا السياق مسئول والقيادة التي اختارت هؤلاء المسئولين الفاشلين والحكومة التي لم توفر لهذا المرفق الإعتمادات والاستثمارات اللازمة لتطوره والنهوض به على توفير الحد الأدنى اللازم - لتيسيره حتى توفر للمواطن الفقير الحد الأدنى من الأمان - وكبار المسئولين الذين يسارعون إلى تبرير الأحداث الجسام في وسائل الأعلام قبل أن تتضح الحقائق بما قد يعكس تأثيرها على مجريات الأحداث وتطور التحقيقات كما أنها توصى وسائل الأعلام عليها أن تتحرى الدقة وتنقى الأقلام كلها عليها تعلم أن القلم مسئولية وشرف وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته وتكرر المحكمة أن هامة العدالة في مصر عالية شامخة وستظل كذلك تعلو فوق كل الرؤوس لا تخشى في الحق لومة لائم ولا يعنيها إلا مرضاة الله وإعلاء كلمة الحق والقانون وأن هذه المنصة العالية تعطى العدل لكل من يلجأ إليها طالبا إياه لا فرق عندها بين الفقير والغنى والكبير والصغير وعلى الجهات المعنية في معرض التحقيق والرقابة أن تجرى شئونها في البحث عن المتهم الحقيقي والمتسبب الحقيقي للحادث لينال عقابه من قاضيه الطبيعي بعد إجراءها أن شاءت بتحقيقاتها وتحرياتها.
وحيث أنه عن ضحايا الحادث الذين صعدت أرواحهم إلى بارئها تشكو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان وبداهة حقهم أو ذويهم في التعويضات فما انتهت إليه المحكمة لا يسقط حقهم في المطالبة به أن كان له وجه لأنه كما هو مستقر قانوناً وقضاء فإن الحق في التعويض كما ينشأ عن المسئولية التقصيرية في الخطأ العمدي فإن التعويض في واقعات الدعوى يمكن أن يكون أساسه مسئولية الناقل أو لأساس آخر للمسئولية باعتبار أن هناك التزام على الناقل - هيئة السكة الحديدية هنا - في توصيل الراكب إلى حيث يريد سالما بمجرد أن يقطع التذكرة التي يركب بها القطار- فإذا أخلت الهيئة بهذا الالتزام استحق عليها التعويض لمن يشاء.
وحيث أنه متى كان ما تقدم جميعه فإن المحكمة على هدى ما اطمأن إليه وجدانها واستقر في ضميرها تقضى ببراءة جميع المتهمين في الدعوى الماثلة عملا بالمادة 304/1 أج وبرفض الدعوى المدنية المقامة من "مختار على مهدي" وإلزام المدعى فيها بالمصروفات.
فلهذه الأسباب :-
وبعد الإطلاع على المواد سالفة الذكر .
حكمت المحكمة حضوريا ببراءة كل من على محمد على عامر، محمد أحمد إبراهيم متولي، ممدوح حسن عبد الرحيم، فتحي راشد شحاتة زيد، شعبان فولى سالم عبد العاطى، محمد محمود بلال عبد الله، جمعة محمد على حسانين، أحمد يوسف إبراهيم على، أمين محفوظ عفيفى محمد، محمود محمد إبراهيم الطويل، صابر إبراهيم عبد الرازق من جميع التهم المسندة إليهم وفى الدعوى المدنية برفضها وإلزام رافعها مختار على مهدي مصروفاتها.
صدر هذا الحكم وتلي علنا بجلسة 29/9/2002
منقول..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)